تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 202 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 202

202 : تفسير الصفحة رقم 202 من القرآن الكريم

** يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاّ تَعْتَذِرُواْ لَن نّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَىَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يَرْضَىَ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ
أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم {قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم} أي لن نصدقكم {قد نبأنا الله من أخباركم} أي قد أعلمنا الله أحوالكم {وسيرى الله عملكم ورسوله} أي سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا {ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} أي فيخبركم بأعمالكم خيرها وشرها ويجزيكم عليها, ثم أخبر عنهم أنهم سيحلفون لكم معتذرين لتعرضوا عنهم فلا تؤنبوهم فأعرضوا عنهم احتقاراً لهم إنهم رجس أي خبث نجس بواطنهم واعتقاداتهم, ومأواهم في آخرتهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون أي من الاَثام والخطايا, وأخبر أنهم إن رضوا عنهم بحلفهم لهم {فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} أي الخارجين عن طاعة الله وطاعة رسوله, فإن الفسق هو الخروج, ومنه سميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها للإفساد, ويقال فسقت الرطبة إذا خرجت من أكمامها)

** الأعْرَابُ أَشَدّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَمِنَ الأعْرَابِ مَن يَتّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبّصُ بِكُمُ الدّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الأعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَيَتّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرّسُولِ أَلآ إِنّهَا قُرْبَةٌ لّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ
أخبر تعالى أن في الأعراب كفاراً ومنافقين ومؤمنين, وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد وأجدر, أي أحرى أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله كما قال الأعمش عن إبراهيم قال: جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوند, فقال الأعرابي: والله إن حديثك ليعجبني, وإن يدك لتريبني. فقال زيد: ما يريبك من يدي إنها الشمال ؟ فقال الأعرابي: والله ما أدري اليمين يقطعون أو الشمال ؟ فقال زيد بن صوحان: صدق الله {الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا سفيان عن أبي موسى عن وهب بن منبه عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سكن البادية جفا, ومن اتبع الصيد غفل, ومن أتى السلطان افتتن» ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن سفيان الثوري به, وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الثوري, ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث الله منهم رسولاً, وإنما كانت البعثة من أهل القرى كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى} ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عليه أضعافها حتى رضي, قال: «لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي أو ثقفي أو أنصاري أو دوسي» لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن مكة والطائف والمدينة واليمن, فهم ألطف أخلاقاً من الأعراب لما في طباع الأعراب من الجفاء.
(حديث الأعرابي في تقبيل الولد) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو أسامة وابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم ؟ قالوا نعم, قالوا لكنا والله ما نقبل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة» وقال ابن نمير: «من قلبك الرحمة». وقوله {والله عليم حكيم} أي عليم بمن يستحق أن يعلمه الإيمان والعلم, حكيم فيما قسم بين عباده من العلم والجهل والإيمان والكفر والنفاق, لا يسأل عما يفعل لعلمه وحكمته, وأخبر تعالى أن منهم {من يتخذ ما ينفق} أي في سبيل الله {مغرم} أي غرامة وخسارة {ويتربص بكم الدوائر} أي ينتظر بكم الحوادث والاَفات {عليهم دائرة السوء} أي هي منعكسة عليهم والسوء دائر عليهم {والله سميع عليم} أي سميع لدعاء عباده عليم بمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان, وقوله: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الاَخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول} هذا هو القسم الممدوح من الأعراب, وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم {ألا إنها قربة لهم} أي ألا إن ذلك حاصل لهم {سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم}.